كرامةُ ابن آدم
داؤنا و دواؤنا

إن الله تعالى كرّم الإنسان، خَلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وسخّر له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه، وجعله خليفة في الأرض. يقول الله تعالى: {ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورَزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا} الإسراء – 70. لقد كرّم الله بني آدم بجمال المظهر وبالتقويم الأحسن والمزاج الأعدل والتمييز بالنُّطق والعقل، والاهتداء إلى سُبُل المعاش والمَعاد، والسيادة على الأرض والكائنات، وغير ذلك مما يقف الحصر دون إحصائه.

المُفارَقَة بالمَعْروف
داؤنا و دواؤنا

المصاحبة بالمعروف والمُفارقَةُ بالمعروف خُلُقان يَخرُجان من مِشكاةٍ واحدة، وقد يسهُل على العامّة المُصاحبةُ بالعُرف والمُعاشرة بالوُدِِّ واللُّطف، ولكن يَصعُبُ على أَكثَرِ الخَلقِ المُفارقة بالمعروف مهما رقَّت مشاعرُهم، وقَوِيَت وشائِجُهُم، وصفَت قُلوبُهم. والحبُّ والبُغض، والقُربُ والبُعد، والحَلِفُ والخَلَفُ، كلٌّ من هذه الخِصال ينبغي أن يُقيَّد بالأناة والهَون، وأن يُحكَم بالاعتدال بلا غُلُوّ. لقد كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أكرَمَ مَثلٍ للمصاحبة بالمعروف والمُعاشرة بالحُسنى، كما كان الأُسْوةَ العُظمى في الرَّحمة والمغفرة؛ وقد جاء في الحديث عن صفاته في الكُتُب السابقة: «ليس بِفَظٍّ ولا غليظٍ ولا صخَّابٍ في الأسواق؛ لا يجزي السيّئة بالسيِّئة ولكن يعفُو ويصفَح..» فكان يُكرِمُ أهلَ الفَضل ويتألَّفُ أهلَ الشّـَرف بالبِرّ، ولا يَجْفو على أحد، ويقبل مَعذرة المُعتَذِر إليه ويُقيل عثرة الواقع في عِثاره. وكان يُقابِل الجميلَ بالجميل والإحسانَ وبالإحسان؛ يقول عن صاحبِه الصِّدِّيق: «ما لأحدٍ عندنا يدٌ إلاّ وقد كافأناهُ ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يداً يُكافئُه الله بها يوم القيامة» أخرجه الترمذي؛ ويقول له: «أنت صاحبي في الغار وصاحبي على الحوض» أخرجه الترمذي.

إيّاكُم والغُلُول
داؤنا و دواؤنا

طوبى لمن طابَ مكسَبُه، وزكَت نفقتُه، ووُقِيَت شبهَتُه، واستُجيبَت دعوَتُه. إن في المكاسب والأموال أموراً مشتبهات يتجاهلهن كثيرٌ من الناس، من اجتَنَبَهُنَّ فترك ما يريبه إلى ما لا يريبه سلِم عِرضُه، وبرئ دينُه، ومن أخذ المال لا يُبالي ممّا جمَعه أمِن الحلال أم من الحرام، بالطُّرٌق المشروعة أم بالوسائل الممنوعة، كان مثله كمثل البهيمة نزلَت بوادٍ خصيب فلم يكن همُّها إلا السمن، وإنما حتْفُها في السُّمن.

القائدُ القُدْوَة
داؤنا و دواؤنا

لا ينبغي للقائد أن يقودَ أو يسود إلّا أن يكون قُدوة صالحة لأتباعه وجُنْدِه، وأُسوةً حسنةً لأنصاره وحِزْبِه، ومن يتولّى القيادة وليس عنده من هذه الأصول فَتِيل أو قِطْمِير، فهو فِتنة في الأرض وفسادٌ كبير! إن مَن يتَبَوّأ القيادة يتوجب عليه أن يكون حَسَن الطريقة، مَرضِيَّ السِّيرة، مثالاً صالحاً في الأقوال والأفعال، وسائِر الأحوال، فإن توفَّر له ذلك رُشِّحَ ليكون وارثاً نبوياً وكَوكباً دُرِّيّاً يُستضاء بنوره، ويُهدَى برأيه وعقله! ومن كان كذلك مكَّنتْه سيرَتُه من أن يأسِر القلوب ويُداويها، وأعانَتْهُ حِكمَتُه على أن يُهذِّب النفوس ويُنقِّيها.

حلاوةُ الصَّبْرِ ومَرارَتُه
داؤنا و دواؤنا

إن دين الله مبنيٌّ على أصْلَين: الحقُّ والصَّبر، والله تعالى يقول: {وتواصَوا بالحقِّ وتواصَوا بالصَّبْر} العصر-3؛ ولو تفكَّر الخَلْقُ في صَبْر الله على العِباد، لازدادوا حُبّاً في الإحسان وصبراً على الأنام. إن صبرَ الله تعالى على عباده هو أعظمُ الصَّبر، وإن التفاوُت بين صبر الله وبين صبر جميع خلقِه كالتفاوت بين مُلكِه ومُلكِهم، وعِلمِه وعِلمِهم، وسائرِ صفاتِه وصفاتِهم، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول في ذلك: «ما أحدٌ أصبرَ على أذىً يسمَعُه من الله عز وجلَّ، يَدَّعون لله الولد وهو يُعافيهم ويرزُقُهم» متفق عليه. والله تعالى هو الصَّبور الذي لا يُعاجلُ العُصاة بالعِقاب والانتقام، وقد جاء في الحديث القُدسيّ: «إني أنا الصَّبور».

الهِجْران بين الخِلّان
داؤنا و دواؤنا

إن هَجر الإخوان والخِلّان أشد ظلماً وإيلاماً من هَجْر الأوطان والبُلدان. لقد صِرنا إلى زمنٍ أصبح فيه الفَصل يفوق الوصل، والشِدة تَغلب المودّة، وغدا درب الهِجران أكثر إيلافاً من درب الغفران، وانقطع الإغضاء عن الزلّات، والتجاوز عن السِّيئات بفِعل شياطين الإنس والجانّ. للهِ درُّ الحِلم ما أعقَله! ذو الحِلم يَنبُذ الغضب ويتحلّى بالتَّؤدَة، فلا يُفرِّط في أصحابه، ولا يتعجَل في أحكامه؛ حطَّ الحِلمُ رحاله عند ثُلَّةٍ من الأوّلين، وقليل من الآخرين، فكان من الحُلماء معاوية رضي الله عنه الذي دفعَه حِلمُه إلى أن يحفظ ما يصلُه بالناس ولو شعرة، فكان إذا جذبوها أرسَلها، وإذا أرسلوها جذَبَها، فلا تنقطع على وهْنِها ودِقَّتها! إن احتمال السُّفهاء خيرٌ من مُبارَزتهم، والإغضاء عن الجُهلاء خيرٌ من مُشاكَلتهم.

دُعاةٌ لا هُداة
داؤنا و دواؤنا

المواعظ الوازِعة كالسِّياط الموجِعة، تقع على نِياطِ القُلوب فتُحدِثُ آثارها في صُدورِ الواعِظين والسَّامعين، وتتركُ ظِلالَها في نُفوس الـمُحدِّثين والـمُتَلقِّين، فإذا لم تنطَلق الموعِظةُ من ألْسِنةٍ صادقة، ولم تخرُج من قُلوبٍ خاشِعة، زلَّت عن القُلوب كما يزِلُّ القَطْرُ عن الصفا، وقد قيل في وجوب صِدق الواعظين: مواعظ الواعِظ لن تُقبَلا حتى تَعِيَها نفسُهُ أوّلا العارفون من الدُّعاة أكثر من الواعِظين، والواعظونَ أكثر من الصَّادقين، والصَّادقونَ في امتحانٍ عظيم.

كلٌّ مِن رَسولِ اللهِ مُلتَمِسٌ
داؤنا و دواؤنا

لا جرم أن رسولنا الأكرم [ هو سيّد البشر وأكمل الخلْق، وقائد الخلق إلى الحق، وإن حبَّ المؤمنين لنبيّهم وقُربهم منه يتجلى بحسب نصيبهم من متابعته بلزوم نهجه، واقتفاء أثره، واتّباع سُنَّته، فهُم بين مُستقلٍّ ومُستكثِر، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومَن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلّا نفسه! إن كل فضيلة من الفضائل قد أحل الله رسوله في أعلاها، وكلَّ شميلة من الشمائل قد خصَّها الله بذُروة سَنامِها! فحلَّ بذلك في المنزلة الأعلى، والمقام الأسنى، حيث لا يُجاري ولا يُبارَى! «فبلغ العُلى بكماله، وكشَفَ الدُّجى بجماله وعظُمَت جميع خصاله».. لم يدْنُ من منزلة النبي محمد [ أحدٌ من الرُّسل والأنبياء، فضلاً عن الصحابة والأصفياء، وسائر التابعين والأولياء، والشاعر يقول:

أدَبُ المُؤمِن
داؤنا و دواؤنا

إن من أسباب علوّ الرُّتَب أن يتحلّى المرء بكمال الأدب، فلا يصدر منه ما يُوجِب الذَّم واللوم، ولا يقع ما يُخلّ بالكرامة أو يجلب المهانة. إن حاجةَ المؤمنِ إلى التهذيبِ والأدبِ أعْظَمُ من حاجته إلى المطْعَم والمشرَب! وإن للأدبِ شرفاً يفوقُ شرَف الأصل والنَّسب، بل إن الأدبَ يستُر قبيح النَّسب! وقانونُ الأدبِ يفرِضُ على المرء أن يأخُذَ نفسَه بقواعدِ التخلّي والتحلّي، فيتخلّى عن النقائص والقبائح، ويتحلّى بالـمَحامد والفضائل، ويرفُل في أثواب الكمال في جميع الظروف والأحوال.

التَّنافُسُ على طَلبِ الدُّنيا
داؤنا و دواؤنا

إن الله تعالى يُعطي الملك مَن يشاء ويَنزِع الملك ممن يشاء، ويُغني مَن يشاء ويُفقِر من يشاء، وإذا أعطى عبداً وأغناه فليس ذلك تشريفاً له، وتكريماً من مولاه، وليس دليلاً على حب الله ورضاه؛ وإذا مَنَع اللهُ عبداً وجعله قليل المال فقير الحال، فليس في ذلك بُرهانٌ على سخط الله الدَّيّان ونِقمَته من ذلك الإنسان. إذا أعطى الله المطيع الشاكر، ففي ذلك العطاء تمحيصٌ وابتلاء، وإذا أعطى العاصي الجاحد ففي توارد النِّعم عليه استدراجٌ وإملاء!

123456